في يوم من الأيام، وعندما كان أمين مقداد في العاشرة من عمره، وجد نفسه يراقب والده وهو يعمل بجد في منزل هم في الموصل بالعراق.
كان والده فنانًا تشكيليًا، ورغم ذلك، كان يعاني من الإحباط أثناء محاولته البدء برسم لوحة تخليدًا لمل حن متوفى.
يتذكر مقداد قائلاً: «أراد والدي أن يرسم لوحة عن الملحن الذي توفي قبل أن ينهي آخر مقطوعاته».
وأضاف قائلاً: «أراد أن يطلق عليها اسم «المقطوعة الناقصة»».
ومع تساؤله حول حقيقة هذه القصة، أكد والده صحتها وروى له قصة بيتهوفن، الذي توفي قبل أن يكمل سيمفونيته العاشرة.
فردّ مقداد بإصرار: «حسناً، عندما أكبر سأصبح ملحناً وأُكمِل سيمفونيته».
فأجاب والده مشككاً: «نعم، بالطبع».
لسنوات، بدأ والد مقداد برسم تلك اللوحة مراراً وتكراراً ولم يكن راضياً عن عمله أبداً.
وتماماً مثل موضوع اللوحة _بيتهوفن_، لم يتمكن هو أيضاً من الانتهاء منها قبل وفاته.
«آلاتي مثل أطفالي»
على الرغم من أن مقداد لم يكمل السيمفونية العاشرة لبيتهوفن، إلا أنه أصبح ملحناً.
في سن العشرين حصل على أول آلة في حياته، ثم أمضى السنوات الخمس التالية في تعليم نفسه كيفية العز ف عليها، بالإضافة إلى العديد من آلات موسيقية أخرى.
وبحلول سن الخامسة والعشرين كان قد أصبح لديه مجموعة من الآلات الموسيقية: آلتا كمان، وتشيلو، جيتار، وآله تشبه القيثارة تسمى القانون. وقد أحبها جميعاً حبّاً جمّاً.
قال مقداد: «لي قصة مع كل آلة موسيقية. كنت طالباً وكان الوضع الاقتصادي [في العراق] سيئًا للغاية، وكان علي أن أدخر كل قرش. لم تكن آلاتي الموسيقية فاخرة، ولكنهم كانوا آلاتي الموسيقية، كانوا كأطفالي».
ومثل الأطفال، سمّى مقداد آلاته الموسيقية. كان اسم التشيلو الخاص به «بيتر». أما آلتي الكمان فكانتا «أحمر» et «ببغاء». وأطلق على جيتاره اسم «صديق».
التلحين في الخفاء
في حزيران من عام ٢٠١٤، استولى داعش الجهادي المتطرف على الموصل، ووجد مقداد نفسه فجأة يعيش حت احتلالهم.
كانت معظم الموسيقى محظورة بموجب تفسيرهم المتطرف للإسلام، لكن مقداد استمر في العزف سراً.
يتذكر مقداد قائلاً: «كنت غاضبا للغاية. وأردت فقط أن احتج وأقول: سأستمر في عزف الموسيقى، ولن أتوقف. عندما تضحّي بجزء من حريتك، ينتهي بك الأمر بفقدانها كلها».
بدأ مقداد خلسةً على مجموعة من ٢٥ مقطوعة موسيقية، والتي أصبحت فيما بعد ألبومه ».
وعلى الرغم من خطر داعش المحدق، سجّل مقداد موسيقاه وحمّلها على الإنترنت ليسمعها العالم.
ذات يوم، اقتحم تنظيم داعش وعثروا على الآلات الموسيقية المخبأة لديه ودمّروها كلها، لكنهم وافقو ا على تركه يعيش.
قال مقداد مستحضراً تلك الفترة: «لقد كنت محطماً للغاية»، وأصيب باكتئاب عميق.
ابتكار شيء جديد
بعد مداهمة منزله، انتقل مقداد للعيش مع أقاربه.
عندما رآه أحد أقربائه في حالة من اليأس الشديد، جاءه بفكرة.
«لماذا لا نصنع واحدة من الآلات التي فقدتها؟»
خططوا بعد ذلك لبناء آلة موسيقية من الصفر، ولكن ليس لإعادة صنع واحدة من تلك المفقودة. وبدلاً من ذلك، اخترعوا شيئًا جديدًا تمامًا.
باستخدام صفائح من الخشب من السوق و أسلاك فولاذية تُستخدم عادةً لقطع الصابون، أكملا ابتكارهما الجديد Pour cela : آلة موسيقية مستطيلة الشكل ذات ٤٤ وتراً مفتوحة الوجه، و تستقر بشكل مريح في حضن م قداد. يعزف عليها مثل القيثارة.
قال مقداد: «ولكن عندما انتهينا قلنا: «هذه مشكلة كبيرة». لقد شعرنا حرفيًا أننا ارتكبنا خطأ. تمامًا مثل إنجاب طفل في الوقت الخطأ، في الحرب».
«وليس هذا فقط، فهذا الطفل لعنة. لأنهم إذا جاءوا ووجدوا هذه الآلة في هذا البيت، وإذا كانوا قد غفروا لك «ذنوبك السابقة، [فقد رأوا الآن أنّك قد فعلت ذلك مرة أخرى]».
موسيقى ولدت من الخراب
كغيرها من أبنائه، كان مقداد بحاجة إلى تسمية هذه الآلة.
الموصل هي موطن مدينة نينوى القديمة المشهورة بأبوابها الخمسة. عندما استولى تنظيم داعش على المدينة، قاموا بتدمير تلك الكنوز الأثرية.
إحدى تلك البوابات المدمرة كانت تسمى «أدد»، والتي سميت على اسم إله الرعد في حضارة بلاد الرافدين.
قال مقداد: «لقد أرادوا تدمير الباب واسمه وتاريخه. لماذا لا نغضبهم ونطلق على هذه الآلة اسم «أدد»؟»
عندما طُرد تنظيم داعش أخيرًا من الموصل في عام ٢٠١٧، أخذ مقداد آلته إلى أنقاض البوابة التي تحمل الآل C'est vrai. وفوق أنقاض بوابة أدد، عزف أغنية قام بتأليفها بعنوان «الأمل بالله».
يقول مقداد إنه عندما يستمع إلى ذلك التسجيل، يبكي من السعادة.
يقول مقداد لنفسه: «أعلم أنك ستشعر بالحزن [في بعض الأحيان] ولكن في كل مرة تشعر فيها بالحزن، فقط استمع إلى هذا التسجيل وتذكر أنك فعلت شيئًا جيدًا».
حياة جديدة
ما إن تحررت الموصل من حكم داعش، أصبح مقداد حرًا في السفر حول العالم، وقد أمضى العام الماضي في تأليف يقى وتأديتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
خلال هذا الوقت، أكمل مقداد مجموعة جديدة من المؤلفات الموسيقية لألبوم جديد بعنوان «بايسكل بغداد».
وفي الشهر الماضي، تلقى بعض الأخبار الجيدة. فقد قبلته جامعة ويسليان في برنامج الماجستير في قسم الموسيقى بمنحة دراسية كاملة. قال مقداد إنه متحمس للغاية للتعلم من أشخاص آخرين يشاركونه شغفه بالموسيقى والفن.
قال «لأن هذه هي الطريقة التي تعلمت بها الموسيقى، لقد تعلمتها من أنسنتها».
ترجمة لينة محمد